فصل: (الفجر: الآيات 15- 16)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[الفجر: الآيات 15- 16]

{فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونعمه فَيَقول رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقول رَبِّي أَهانن(16)}.

.الإعراب:

(الفاء) استئنافيّة (أمّا) حرف شرط وتفصيل لحالات الإنسان {الإنسان} مبتدأ مرفوع {ما} زائدة {الفاء} عاطفة والثانية رابطة لجواب أمّا، و(النون) في {أكرمن} للوقاية جاءت قبل ياء المتكلّم التي حذفت لمناسبة الفاصلة.
جملة: {أمّا الإنسان...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة الشرط إذا وفعله وجوابه... لا محلّ لها اعتراضية على نيّة التأخير.
وجملة: {ابتلاه ربّه...} في محلّ جرّ مضاف إليه.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب أمّا- وهو خبر المبتدأ-.
وجملة: {أكرمه...} في محلّ جرّ معطوفة على جملة {ابتلاه ربّه}.
وجملة: {نعّمه...} في محلّ جرّ معطوفة على جملة {ابتلاه ربّه}.
وجملة: {يقول...} في محلّ رفع خبر المبتدأ {الإنسان}.
وجملة: {ربّي أكرمن...} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {أكرمن...} في محلّ رفع خبر المبتدأ {ربّي}.

.[الفجر: الآيات 17- 20]

{كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ على طَعامِ الْمسكينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكلا لما (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20)}.

.الإعراب:

{كلا} حرف ردع وزجر عن المفهوم السابق {بل} للإضراب الانتقاليّ {لا} نافية في الموضعين، وحذفت إحدى التاءين من {تحاضّون}، {على طعام} متعلق بـ: {تحاضّون}، {أكلا} مفعول مطلق منصوب، ومثله {حبّا} وهو نائب عن المصدر لأنه اسم مصدر..
جملة: {لا تكرمون...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {لا تحاضّون...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: {تأكلون...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: {تحبّون...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.

.الصرف:

(18) {تحاضّون}: فيه حذف إحدى التاءين، أصله تتحاضّون.
{طعام}، اسم مصدر بمعنى إطعام من الرباعيّ أطعم، وإذا كان بمعنى ما يؤكل فهو جامد بحذف مضاف أي بذل طعام المسكين.
(19) {التراث}: اسم لما يتركه الميّت من الميراث.. وفيه إبدال الواو تاء، أصله الوراث تخفيفا للفظ مثل تجاه وتخمة.. وزنه فعال بضمّ الفاء.
{أكلا} مصدر سماعيّ للثلاثيّ أكل، وزنه فعل بفتح فسكون.
{لما}، مصدر سماعيّ للثلاثيّ لمّ بمعنى جمع، استعمل في الآية استعمال الصفة مبالغة أي الجمع الكثير.
(20) {جمّا}: صفة مشبّهة من الثلاثيّ جمّ الشيء- بالرفع- أي كثر باب ضرب، وهو أيضًا مصدر سماعيّ للفعل وصف به مبالغة.. وزنه فعل بفتح فسكون.

.[الفجر: الآيات 21- 24]

{كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يومئِذٍ بِجَهَنَّمَ يومئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذكرى (23) يَقول يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لحياتي (24)}.

.الإعراب:

{كلا} لردع الكافرين عن جمع المال والبخل به {إذا} ظرف في محلّ نصب متعلق بالجواب يتذكّر {دكّا} مفعول مطلق منصوب، والثاني توكيد للأول منصوب ومثله {صفّا}، {يومئذ} ظرف مضاف إلى اسم ظرفيّ، منصوب- أو مبنيّ- بدل من إذا {بجهنّم} نائب الفاعل لفعل {جيء}، {يومئذ} توكيد للأول (الواو) حاليّة- أو اعتراضية- {أنّى} اسم استفهام في محلّ نصب ظرف مكان متعلق بخبر مقدّم للمبتدأ {الذكرى}، {له} متعلق بالخبر المقدّم {يا} للتنبيه {لحياتي} متعلق بـ: {قدّمت}..
جملة: {دكّت الأرض...} في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: {جاء ربّك}- أي أمره- في محلّ جرّ معطوفة على جملة {دكّت}.
وجملة: {جي ء... بجهنّم} في محلّ جرّ معطوفة على جملة {دكّت}.
وجملة: {يتذكّر الإنسان} لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: {أنّى له الذكرى...} في محلّ نصب حال- أو اعتراضية لا محلّ لها-.
وجملة: {يقول...} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {ليتني قدّمت...} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {قدّمت...} في محلّ رفع خبر ليت.

.البلاغة:

فن الإفراط في الصفة: في قوله تعالى: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} وهذا الفن هو أن يذكر المتكلم حالا، لو وقف عندها، لأجزأت فلا يقف عندها حتى يزيد في كلامه ما يكون أبلغ في معنى قصده.
وفي الآية الكريمة، لو أنه قال: {صفا} ووقف لأجزأه ذلك، ولكن لم يقف عنده، بل تعداه ليكون الكلام أبلغ.

.الفوائد:

- حذف الاسم المضاف:
وورد ذلك في الآية التي نحن بصددها {وَجاءَ رَبُّكَ} أي أمر ربك. وكذلك قوله تعالى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ} أي (أتى أمر اللّه). ومن حذف المضاف ما نسب فيه حكم شرعي إلى ذات، لأن الطلب لا يتعلّق إلا بالأفعال، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} أي استمتاعهن، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أي أكلها، {حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ} أي تناولها. ومن ذلك ما علق فيه الطلب بما قد وقع، كقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أي بمضمونها، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} أي بمقتضاه، ومنه {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها} أي أهل القرية وأهل العير، {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً} أي أهل مدين، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها} أي أهل قرية ومن ذلك نيابة المصدر عن الزمان، كقولنا: ئتك طلوع الشمس، أي وقت طلوعها وقولك: أفطرت غروب الشمس، أي وقت غروبها، أما لو قلت (جئتك مقدم الحاج) فهنا لم ينب المصدر عن الزمان لأن (مقدم) اسم لزمن القدوم.

.[الفجر: الآيات 25- 26]

{فَيومئِذٍ لا يُعَذِّبُ عذابهُ أحد (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أحد (26)}.

.الإعراب:

(الفاء) استئنافيّة (يومئذ) متعلق بـ: {يعذّب} المنفيّ، {عذابه} مفعول مطلق نائب عن المصدر- هو اسم مصدر- والضمير يعود على اللّه المفهوم من سياق الآية {وثاقه} مثل {ذابه}..
جملة: {لا يعذّب... أحد} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {يوثق... أحد} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.

.الصرف:

{وثاقه}، إمّا اسم مصدر من الرباعيّ أوثق بمعنى الإيثاق، أو هو اسم جامد بمعنى القيد أو الحبل، وزنه فعال بفتح الفاء.. وانظر الآية (4) من سورة القتال أي (محمّد).

.[الفجر: الآيات 27- 30]

{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضية مرضية (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جنتي (30)}.

.الإعراب:

{أيّتها} منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب، و(ها) للتنبيه {النفس} بدل من {أيّتها}- أو عطف بيان- تبعه في الرفع لفظا {إلى ربّك} متعلق بـ: {ارجعي}، {راضية} حال منصوبة من فاعل ارجعي، وكذلك {مرضية}، (الفاء) عاطفة {في عبادي} متعلق بـ: {ادخلي} بحذف مضاف أي في زمرة عبادي..
جملة: {النداء...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {ارجعي...} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {ادخلي (الأولى)} لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
وجملة: {ادخلي (الثانية)} لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.

.الصرف:

(28) {مرضية} مؤنّث مرضيّ، اسم مفعول من الثلاثيّ رضي، وزنه مفعول، وفيه إعلال بالقلب أصله مرضوي- بياء في آخره- اجتمعت الواو والياء والأولى ساكنة قلبت الواو إلى ياء وأدغمت مع الياء الأخرى، ثمّ كسر ما قبل الياء للمناسبة. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(89) سورة الفجر:
مكيّة.
وآياتها ثلاثون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[الفجر: الآيات 1- 14]

{والفجر (1) وَلَيالٍ عشر (2) وَالشَّفْعِ والوتر (3) وَاللَّيْلِ إِذا يسر (4) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حجر (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد (6) إِرَمَ ذاتِ العماد (7) الَّتِي لَمْ يُخلق مِثْلُها فِي البلاد (8) وثمود الَّذينَ جابُوا الصَّخْرَ بالواد (9) وَفِرْعَوْنَ ذي الأوتاد (10) الَّذينَ طَغَوْا فِي البلاد (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفساد (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد (14)}.

.اللغة:

{الشَّفْعِ} الزوج من العدد يقال: أشفع هو أم وتر أي أزوج أم فرد ويجمع على أشفاع وشفاع، ومصدر شفع يشفع من باب فتح شفعا الشيء أي صيّره شفعا أي زوجا بأن يضيف إليه مثله يقال: كان وترا فشفعه بآخر أي قرنه به، وفي القاموس: الشفع خلاف الوتر وهو الزوج وقد شفعه كمنعه ويوم الأضحى وقيل في قوله تعالى: والشفع والوتر هو الخلق لقوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين أو هو اللّه عزّ وجلّ لقوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم.
{الْوَتْرِ} في القاموس الوتر بالكسر ويفتح الفرد أو ما لم يتشفع من العدد ويوم عرفة.
وقال أبو حيان: والشفع والوتر ذكر في كتاب التحرير والتحبير فيها ستة وثلاثين قولا ضجرنا من قراءتها فضلا عن كتابتها في كتابنا هذا.
وقال الزمخشري: وقد أكثروا في الشفع والوتر حتى كادوا يستوعبون معظم ما يقعان فيه وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه.
{حجر} عقل، وسمّي العقل بذلك لأنه يحجر صاحبه عمّا لا يحلّ ولا ينبغي كما سمي عقلا لأنه يعقل صاحبه عن القبائح وينهاه ولأنه ينهى عمّا لا يحلّ ولا ينبغي، وأصل الحجر المنع وقد تقدم القول في هذه المادة، وقال ابن خالويه: هل في ذلك حجر أي لذي عقل ولذي لب. والحجر ديار ثمود وحجر الكعبة والفرس الأنثى.
{جابُوا} قطعوا وفي المختار وجاب خرق وقطع وبابه قال ومنه قوله تعالى: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد} وجبت البلاد بضم الجيم من باب قال وباع وأجبتها قطعتها.

.الإعراب:

{والفجر وَلَيالٍ عشر} الواو حرف قسم وجر {والفجر} مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بأقسم والواو حرف عطف و{ليال} عطف على {الفجر} مجرور وعلامة جرّه الفتحة نيابة عن الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين. وقد أشار ابن مالك إلى هذه القاعدة الهامة بقوله:
وكن لجمع مشبه مفاعلا ** أو المفاعيل بمنع كافلا

أي إن الجمع المشبه مفاعيل أو المفاعيل في كونه مفتوح الفاء وثالثه ألف بعدها حرفان كمفاعل أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كمفاعيل يمتنع صرفه لقيام الجمع فيه مقام علتين وهي الجمع وعدم النظير في الواحد وشمل قوله مفاعل ما أوله الميم كمساجد أو ما أوله غيرها كدراهم وشمل قوله المفاعيل ما أوله ميم كمصابيح أو ما أوله غيرها كدنانير ثم إن من هذا الجمع ما يجيء معتل اللام وهو قسمان أحدهما ما قلبت فيه الكسرة التي بعد الألف فتحة فانقلبت الياء ألفا نحو عذارى ولا إشكال في منع التنوين والآخر ما استثقلت في بابه الفتحة فحذفت ولحقها التنوين وإلى ذلك أشار بقوله:
وذا اعتلال منه كالجواري ** رفعا وجرّا أجره كساري

يعني أن ما كان من الجمع المعتل اللام مثل جوار في كونه على ما ذكر من حذف الحركة يجري مجرى سار في لحاق التنوين بآخره في حالة الرفع والجر فتقول هذه جوار ومررت بجوار، وسكت عن حالة النصب ففهم أنه على الأصل كالصحيح فتقول رأيت جواري.
و{عشر} نعت لـ: {ليال}، قالوا وأراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة وجاءت منكرة لفضيلتها على غيرها من ليالي السنة وقيل هي العشر الأواخر من رمضان وقيل العشر الأول من المحرم.
{وَالشَّفْعِ والوتر وَاللَّيْلِ إِذا يسر} منسوق على {الفجر وليال} وكذلك {الوتر والليل} و{إذا} ظرف متعلق بفعل القسم المحذوف أو بفعل قسم مقدر وعلى ذلك جرى أبو البقاء، أي أقسم بالليل وقت سراه، و{يسري} فعل مضارع مأخوذ من السرى وهو خاص بسير الليل وقد تقدم.
وقال في المصباح: سريت الليل وسريت به سرى والاسم السراية إذا قطعته بالسير وأسريت بالألف لغة حجازية ويستعملان متعديين بالباء إلى مفعول فيقال سريت بزيد وأسريت به والسرية بضم السين وفتحها أخصّ يقال سرينا سرية من الليل وسرية والجمع السّرى مثل مدية ومدى، قال أبو زيد ويكون السرى أول الليل وأوسطه وآخره وقد استعملت العرب سرى في المعاني تشبيها لها بالأجسام مجازا واتساعا قال اللّه تعالى: والليل إذا يسر والمعنى إذا يمضي، وقال البغوي: إذا سار وذهب وقال الفارابي: سرى فيه السم والخمر ونحوهما وقال السرقسطي: سرى عرق السوء في الإنسان وزاد ابن القطاع على ذلك، وسرى عليه الهمّ آتاه ليلا وسرى همّه: ذهب، وإسناد الفعل إلى المعاني كثير في كلامهم نحو: طاف الخيال وذهب الهم وأخذه الكسل والنشاط وقول الفقهاء سرى الجرح إلى النفس معناه دام ألمه حتى حدث منه الموت وقطع كفّه فسرى إلى ساعده أي تعدّى أثر الجرح وسرى التحريم وسرى العتق بمعنى التعدية وهذه الألفاظ جارية على ألسنة الفقهاء وليس لها ذكر في الكتب المشهورة لكنها موافقة لما تقدم.
هذا وقد حذف بعض القراء ياء {يسر} وقفا وأثبتوها وصلا وأثبتها بعضهم في الحالين وحذفها بعضهم في الحالين لسقوطها في خط المصحف الكريم وموافقة رؤوس الآي.
وعبارة ابن خالويه: وكان الأصل {يسري} فخزلوا الياء لأن تشبه رؤوس الآي التي قبلها فمن القراء من يثبت الياء على الأصل ومنهم من يحذفها اتباعا للمصحف.
{هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حجر} معنى الاستفهام هنا التفخيم والتعظيم للأمور المقسم بها و{في ذلك} خبر مقدم و{قسم} مبتدأ مؤخر و{لذي حجر} نعت وعلى ذلك تكون {هل} وما في حيّزها جواب القسم وقيل هي للتقرير كقولك ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت والجواب على هذا محذوف مضمر وتقديره لنجازينّ كل أحد بما عمل وقدره الزمخشري لتعذبنّ وقيل الجواب مذكور وهو {إن ربك لبالمرصاد}.
وعبارة السمين: وقال مقاتل {هل} هنا في موضع إن تقديره إن في ذلك قسما لذي حجر فـ: {هل} على هذا في موضع جواب القسم، وهذا قول باطل لأنه لا يصلح أن يكون مقسما عليه على تقدير تسليم أن التركيب هكذا وإنما ذكرته للتنبيه على سقوطه.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد إِرَمَ ذاتِ العماد الَّتِي لَمْ يُخلق مِثْلُها فِي البلاد} الهمزة للاستفهام التقريري أي قد رأيت لأن المراد بالرؤية هنا رؤية القلب وهي العلم، عبّر عنه بالرؤية لكونه علما ضروريا مساويا في الجلاء والبيان للمشاهدة والعيان، ولم حرف نفي وقلب وجزم و{تر} فعل مضارع مجزوم بلم و{كيف} اسم استفهام في موضع نصب بـ: {فعل} على أنه مصدر واختاره الزمخشري وابن هشام في المغني والمعنى أي فعل فعل ربك وأعربه ابن خالويه حالا قال كيف استفهام عن الحال. ولكنه ممتنع لأنه إذا أعرب حالا يكون من الفاعل ووصفه تعالى بالكيفية مستحيل وغير جائز والجملة المعلقة بـ: {كيف} الاستفهامية سدّت مسدّ مفعولي {تر}. و{فعل ربك} فعل ماض وفاعل و{بعاد} متعلقان بـ: {فعل} {وإرم} بدل أو عطف بيان من عاد ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث وهذا الابدال إيذان بأنهم عاد الأولى القديمة وقيل إرم بلدتهم أو أرضهم التي كانوا فيها.
وعبارة أبي البقاء: {إرم} لا ينصرف للتعريف والتأنيث قيل هو اسم قبيلة فعلى هذا يكون التقدير {إرم} صاحب {ذات العماد} لأن {ذات العماد} مدينة وقيل {ذات العماد} وصف كما تقول القبيلة ذات الملك وقيل {إرم} مدينة فعلى هذا يكون التقدير بعاد صاحب إرم ويقرأ {بعاد إرم} بالإضافة فلا يحتاج إلى تقدير ويقرأ {إرم ذات العماد} بالجر على الإضافة.
و{ذات العماد} نعت لـ: {إرم} أي الطول.
قال الزمخشري: و{ذات العماد} إذا كانت صفة للقبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة ومنه قوله رجل معمد وعمّدان إذا كان طويلا وقيل ذات البناء الرفيع وإن كانت صفة للبلدة فالمعنى أنها ذات أساطين.
وسيأتي تلخيص لقصتها الرائعة في باب الفوائد.
و{التي} صفة ثآنية لـ: {إرم} وجملة {لم يخلق} صلة {التي} و{مثلها} نائب فاعل {يخلق} و{في البلاد} متعلقان بـ: {يخلق} وقرئ {يخلق} بالبناء للمعلوم فتكون {مثلها} مفعولا به.
{وثمود الَّذينَ جابُوا الصَّخْرَ بالواد} الواو عاطفة و{ثمود} عطف على عاد و{الذين} نعت لـ: {ثمود} وجملة {جابوا} صلة {الذين} و{الصخر} مفعول به و{بالوادي} متعلقان بـ: {جابوا} والباء للظرفية فهي بمعنى في وحذفت الياء لأنها من ياءات الزوائد.
{وَفِرْعَوْنَ ذي الأوتاد} عطف على عاد و{ذي الأوتاد} نعت لـ: {فرعون} كان يدق للمعذب أربعة أوتاد ويشدّه بها مسطوحا على الأرض ثم يعذبه بما يريد من ضرب وإحراق وغيرهما.
وفي المصباح: الوتد بكسر التاء في لغة الحجاز وهي الفصحى وجمعه أوتاد وفتح التاء لغة وأهل نجد يسكنون التاء فيدغمون بعد القلب فيبقى ود ووتد الوتد أتده وتدا من باب وعد أثبته بحائط أو بالأرض وأوتدته بالألف لغة.
{الَّذينَ طَغَوْا فِي البلاد فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفساد} {الذين} إما مجرور على أنه صفة للمذكورين أو منصوب على الذم.
قال الزمخشري: أحسن الوجوه فيه أن يكون في محل النصب على الذم ويجوز أن يكون مرفوعا على هم الذين طغوا أو مجرورا على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون.
وجملة {طغوا} صلة {الذين} و{في البلاد} متعلقان بـ: {طغوا}.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب} الفاء عاطفة وصبّ فعل ماض مبني على الفتح و{عليهم} متعلقان بصبّ و{ربك} فاعل و{سوط عذاب} مفعول به، وسيأتي معنى هذا التعبير في باب البلاغة.
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد} الجملة لا محل لها لأنها تعليل لما قبلها وإن واسمها واللام المزحلقة و{بالمرصاد} متعلقان بمحذوف خبر إن وسيأتي معناها أيضًا في باب البلاغة.